إنّ مناقشة إثبات العقل، وبالتالي كيفية نشوء عالم الكون والفساد عن حقيقة الكون، وكيفية ترتيب عوالم الوجود تعدّ من المسائل المهمّة في إطار المواضيع الأنطولوجيّة للفلسفة الإسلاميّة. نعم إثبات عالم العقول هو من أهمّ المواضيع الحكميّة والفلسفيّة وأصعبها، والذي اندرج في مجال اهتمام المدارس الفلسفيّة كافّة، حيث يمكن من خلال إثباته الكشف عن كيفيّة نشوء الكثرة من الوحدة، وكذلك كيفية تدبير شؤون الكون. وقد حظي الموضوع باهتمام بالغ من قبل المدارس الفلسفية الإسلاميّة المتمثلة في المشائيّة، والإشراقيّة، والحكمة المتعالية بصورة مستقلّة وواسعة. كما أنّ قاعدة "الواحد" تعتبر من أهمّ الأدلّة التي استند الحكماء الإلهيّون إليها في إثبات عالم العقول المجرّدة. بناءاً على مفاد هذه القاعدة، إذا كانت العلّة واحدة من جميع الجوانب وبكلّ معنى للكلمة بحيث لا يوجد فيها أيّ نوع من الكثرة، فإنّ المعلول أو الأثر الذي يحدثه مباشرة هو الواحد بالضرورة، لأنّ صدور أكثر من معلول واحد في رتبة واحدة عن العلّة الواحدة يؤدّي إلى التكثّر والتركيب في ذاتها.
لقد لفت مسألة إثبات عالم العقول انتباه صدر المتألّهين بشكل خاصّ، حيث قام بإثباته في مؤلفاته ولاسيّما في كتاب الأسفار من خلال أحد عشر طريقاً كـ"مسلك التمام ومقابله"، و"إثبات الخزانة للمعقولات"، وكذلك"رغبة الأشياء في تحصيل الكمالات"، وذلك عبر دراسة الأدلّة والبراهين المطروحة في المدرستين السابقتين وتحليلها كقاعدة الواحد وقاعدة إمكان الأشرف. يطرح صدر المتألّهين في كتاب "الشواهد الربوبيّة" نظريّته حول صدور الكثرة عن الوحدة على أساس مبادئه الحكميّة، بعد أن يتعرّض إلى ثلاث طرق لإثبات العقول والمُثُل الأفلاطونيّة.
|